السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قد لازمت شخصيةَ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (
) السامية جوهرةُ العدالة الثمينة ، واقترن اسمه المقدس بالعدالة ، فقد كان عادلاً يأنس بالعدالة ويهتم بها .
إن كل مجتمع أو جماعة أو فرد مناد بالعدالة ، ويأمل في تكوين مجتمع يقوم على أساس القسط والعدل ، يضع عدل علي (
) نصب عينه ، ويتخذ أسلوبه في تطبيق العدالة كقدوة في برنامجه الذي يسعى إلى تطبيقه .
فحقاً لم يعرف تاريخ الإنسانية شخصاً كعلي (
) خلد اسمه إلى الأبد ، وارتسمت صورة عدالته في أذهان البشر ، فقد كان عاشقاً للعدالة ، مولعاً بها إلى غايتها القصوى .
إن الإمام علي (
) مصداقٌ بارز لآية : ( كُونُوا قَوَّامِينَ بِالقِسطِ ) .
نعم ، لقد كانت هذه العدالة ضالته ، وكان كالظاميء الذي يبحث عن عين ماء تروي ظمأه ، ساعياً إلى معين العدالة العذب .
لم يكن أمير المؤمنين (
) يرضى بالكف عن تطبيق العدالة ، والتراجع عنها مهما كلف الثمن ، ولم يرض أن يتخطى العدالة خطوة ، حتى من أجل تثبيت أركان حكومته الفتية ، وأبى أن يساوم أو يتبع المصالح السياسية مهما عظم الثمن .
كما أنه لم يرض أن يضحي بالعدالة ويقع تحت تأثير الرحمة والتحرق والشفقة ، فيعرض بذلك هذا الركن المقدس للتزلزل والانهيار .
فإن عدالته (
) كانت ذكراً يلهج به لسان الخاص والعام ، والعدو والصديق ، حتى كانت كثرة عدله هي السبب في قتله (
) .
ونحن إذا أردنا التعرض لنماذج لعدالته (
) لاحتجنا إلى مجلدات طوال ، ولكن نقول : إن العدالة كانت نصب عينه ، وملأت وجوده وكيانه ، فقد كان (
) يرى أنه : ( في العدل صلاح البرية ) .
وقد كان (
) يسد جوعته بكسرة خبز يابسة ، ويأتدم الملح ليكون مستوى معيشته كأضعف الناس ، ويقول : ( إن الله فرض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيغ بالفقير فقره ) .
فإن مثل هذا السلوك لا يمكن أن يصدر من غير علي (
) ، فهو نتاج تربية الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) ، فإن عدالة علي (
) نشأت من العدل الإلهي وسعى لتطبيقها .
ولذا أصبحت عدالته (
) نموذجاً واضحاً لكل القادة وطلاب العدالة على مرِّ القرون ، ومصداقاً مشرِّفاً للإنسان المسلم المتكامل الذي يستطيع أن يكون قدوة في جميع المجالات .